: أدب في الكرم ووفاء عند الزيارة
وقد حدثنا شيخنا رحمه الله أن ( أبا الخير الميداني ) صاحب السر والمعاني زاره في مكان سكنه ــــ حيث كان الشيخ كما ذكر يسكن في منطقة ( جوبر ) خارج دمشق ــــ فقد أتى يزوره ويحمل الكثير من اللوازم والحاجات مما لذ وطاب ، حتى ملكت الشيخ الحيرة ، وعمه الخجل ، رئيس رابطة العلماء في البلاد الشامية يحمل بكلتي يديه حوائج ويقدمها له . يقول شيخنا رحمه الله يومها جلس عندي الشيخ أبو الخير برهة من الزمن غير يسيرة ، وسألني عن حالي وأحوالي وحدثني بحسن السيرة إلى أن ودعني وداع المشتاقين المحبين ، ولم تسعني الأرض برحبها لما لهذه الزيارة من وقع عظيم في قلبي ونفسي ، زد على ذلك أنه في اليوم التالي ذهبت إلى دكان البقال ( السمان ) لكي أسدد مااستدنت منه خلال الشهر من حوائج فقال لي : أمس أتى الشيخ الجليل الذي زارك وقضى عنك الدين كله ، وظننت أنه أخبرك بذلك ، قال : الشيخ ( محمود ) لم يخبرني الشيخ أبو الخير بذلك أبداً إلا أني عندما سألته قال والدمع في عينيه وبعد أن وضع يده على ذقنه : هذه الذقن تخدم ( محمود ) رضي الله عنك ياشيخ ( أبا الخير) يا صاحب الأدب والمحبة والوفاء والصدق . ولما ذكر لنا شيخنا رحمه الله هذه الحادثة الطيبة أعقبها بحادثة تماثلها قال : كان الشيخ( أمين سويد)العالم الكبير ، وكان قد حوى أربعين علماً بإتقان يدهش بها العقول وأفهام الأنام وهو أحد شيوخ السيد المكي كما سمعت ذلك من ابنه العالم العامل السيد عبد القادر قام في زيارة للولي الحسيب النسيب ( الشيخ محمد المكي الكتاني ) رضي الله عنه . وطرق الباب طارق ، وفتح الباب الشيخ( أمين سويد) فإذا بعامل الكهرباء الذي يجمع قيمة فواتير الكهرباء ، فأعطاه فاتورة المنزل ، فأوهم العامل أنه صاحب المنزل فدفعها الشيخ أمين سويد كلها وعاد ولم يعلم السيد مكي بذلك ، إلا بعد أن عاد العامل نفسه في الشهر الذي يليه فأخبره بذلك . وهذا يدل على خلق ندي وكرم وفي ومحبة رائعة تكاملت أوصافها واكتملت بالخير أطرافها . رضي الله عنهم ونفعنا بأخلاقهم الكريمة التي يقتبسونها من زين الوجود والكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . من هذا القبيل كان يردد الشيخ ( محمود ) على مسامعنا قول الشيخ( أبي الخير الميداني ) صاحب السر والمعاني : ياأبنائي ليس الولي هو الذي يطير في الهواء لأن الطير يشاركنا في ذلك ، لكن الولي هو الذي يصبر على أذى وتحمل البلاء عن الناس . ويعقب الشيخ رحمه الله ويقول : الصبر يكون بالعلم والمعرفة والوقوف على حقائق الناس ونفوسهم والتبحر في استمالة قلوبهم إلى طريق الخير والنور والدين والإيمان . ثم يضيف ويذكر قصة حصلت مع العارف بالله الشيخ محدث الدنيا ( الشيخ بدر الدين الحسني ) رضي الله عنه . وحاصلها : أن ( الشيخ بدر الدين ) رحمه الله على عادته الطيبة يعطي النصائح ويرشد إلى الفضائل . وينطق بالحكمة والحكم ، ففي يوم كان الشيخ يرافقه بعض الأحبة في زيارة خارج دمشق ، فقبل الخروج التفت إلى ( الشيخ محمود الرنكوسي ) رحمه الله وقال له : يا بني من خاف الله خاف منه كل شيء ، ومن لم يخف الله خاف من كل شيء . وشيخنا لم يستغرب من ذلك إذ للشيخ( بدر الدين) كرامات جليلة كثيرة . ويصل الركب إلى الموضع المقصود ، بستان فيه كثرة من الأشجار والخضرة ويهجم اثنان من الكلاب الضارية ويتوجهان إلى الشيخ فلم يلتفت ، ولم يتأثر . يقول شيخنا : لقد اهتز قلبي ولكني مطمئن بمصاحبة الدرع المتين ، فإذا بالشيخ يلتفت ويخاطب الكلبين الضاريين ويقول : ألم يكف ؟؟ أبهذا تُستقبل الضيوف ... فيهز كل منهما ذنبه ويعود وكأنه يعتذر فعلمت قيمة الكلام الطيب الذي أعطانيه في بداية هذه الرحلة الطيبة