هو البحر الخضم الذي لايدرك ساحله , والميدان الفسيح الذي لايعرف أوله من آخره . والروض الأنيق الذي تتفتح أزهاره وتغرد أطياره فتسحر العقول وتملك القلوب والنفوس وتأخذ بالألباب
تعلق قلب الشيخ رحمه الله في طلب العلم , وشغفه حبا وحبس نفسه على الطلب فكان مثالا يحتذى وقف جهده على التحصيل , يوهب قلبه للعلم ابتغاء مرضاة الله تعالى لايشغله شاغل ولايصده صاد عما هو بسبيله . وله في ذلك حوادث وذكريات فيها عبر وعظات . وكان لايحضر درسا الا طالعه قبل الحضور مطالعة تامة ووقف على دقائقه وأحاط بغوامض مسائله , فاذا ماشرع شيخه في تقرير الدرس على الطلاب أصغى اليه اصغاء تاما ليرى هل يتفق فهمه لتلك المسائل وفهم أستاذه وفي الأعم الأغلب كان يتفق فهمه وفهم أستاذه في تلك المسائل المعروفة بدقتها وصعوبتها خصوصا حين قراءته الهداية على أستاذه الشيخ عبد الحكيم الأفغاني . ولقد أجازه أساتذته كلهم ظاهرا وباطنا , في المعقول والمنقول
وكان رحمه الله يستيقظ قبل الفجر بساعة ونصف على الأقل فيصلي النوافل ومنها صلاة التسابيح وبعد ذلك يمكث مستقبلا القبلة يستغفر الله تعالى حتى يطلع الفجر , فيصلي الفجر ثم يقرأ الأوراد المعهودة , وبعدها يقرأ جزءا من القرآن الكريم ثم يبدأ بالقاء الدروس , فيقرأ درسا عاما في جامع التوبة يستمر لما بعد طلوع الشمس فيصلي الضحى ثم يقرأ دروسا خاصة بالطلاب في علوم الحديث والتفسير والأصول والفقه والمنطق مع جميع تفرعات العلوم العربية وآدابها ومعجماتها كالمزهر , علاوة على علم التصوف والأخلاق والسيرة النبوية والتاريخ والجغرافيا . فيستمر في القاء الدروس الى قبيل الظهر . وبعدها يذهب الى بيته , وله بعد الظهر درس وبعد العصر درس وبعد العشاء درس . وكان مشهودا له بحسن القاء الدروس وبأسلوبه الفذ في تعليم الطلاب وتفهيمهم . وكان يتقن اللغة التركية والفارسية والكردية والفرنسية ويلم الماما حسنا بالانكليزية . وكان في بعض المناسبات يتطرق الى كثير من العلوم كالطب والفلك وتعبير الرؤيا والحساب والجبر وعلم الطبيعة ( الفيزياء ) وكان رحمه الله حريصا الحرص كله على انماء الروح الاسلامية في النفوس والقلوب ونشر أسرار الكتاب المجيد وسائر ماجاءت به الشريعة السمحاء الغراء بين طبقات الأمة ليخرج علماء أجلاء يخلصون العمل لله ويقومون بالدعوة اليه ويشرحون للناس أسرار دينهم الحنيف , وبذلك تشعر الأمة بوحدتها الكاملة وعزتها الشاملة , وتصبو الى أن تعود سيرتها الأولى علوا ورقيا ومجدا وتقدما في أساليب الحياة