: هيئته الخَلقيّة
كان شيخنا رحمه الله تعالى ذا شيبة نيرة يخالطها سواد ، وكأنه نور مقتبس ومهابة لا تلتبس يحوطه الوقار طويل القامة ممشوقها ، مستدير الوجه جميله ، رأسه ذو شعر كثيف ، يحلقه على السنة دوماً ، قدوة بصاحب السنة ، ومشايخه الأخيار
الناظر إليه يحكم أن بين الشعرة والأخرى نوراً حاجباه كهلال قد انتصف كثير شعرهما بدقة ربانية
عيناه تقدحان ذكاءً بلونهما العجيب يعلوهما نظارة سميكة تحكي قراءة للدهر طويلة ، ذو جبهة عريضة وواضحة كأنه كتب عليها علوم الأرض والسماء ، ذو لحية معتدلة الكثافة جمعت الكثير من الشيب كلما تقدم به السن أجمل ما رأت العين منظمة هيابة كثر فيها منذ عرفناه شيب الوقار والأخلاق، مكونة بشكل خنجري على نسق شيوخه
حباً وكرامة بهم ، تزيد عن قبضه أنفه دقيق مستوي غير أقنى ، ذو خلقة ندية وطلة بهية
شارباه عريضان يحفهما على السنة النبوية
واسع الفم ضليعه ، تتناسق الكلمات فيه وتخرج
كسبيكة ذهبية ، إذا تكلم تكلم بكل فمه ، مستوعباً
قلب مخاطبه وجاذباً ، لم تتساقط أسنانه رغم كبر
سنه ، بل ترى اللوامع منبثقة من بين ثناياه إذا
نطق ، خداه أثيلة يكسوهما لون يميل إلى الزهرة
يبدو ظاهرهما أحسن ما رأت العيون ، من الرمان
الملوح والتفاح الندي مشرق الصورة واضحها
جليها ، مفسرة على أكمل خلقة ، كتفاه عاديان
كقلعة تماسكت أطرافها ، مستوي البطن والصدر
على عادة أولياء الله تعالى ، أما راحتاه فقد صفتا
ملمساً ونعومة ورقة من أجمل ما لمست يداك فهما
أشد ليونة من القطن ، وأرق من الحرير ، وكم من مرة لمسنا راحتيه وكأن الدنيا حيزت لنا بحذافيرها
حيث كانت تعبق رائحتهما مسكاً إذفراً من غير مس طيب ، أصابعه دقيقة إلى الطول أقرب بتناسق رباني غريب عجيب . ساقاه وقدماه غير ممتلئتان
لحماً ، يمشي مشي الوئيد الهادئ مشياً مترسلاً تطوى الأرض تحتهما طياً من غير خبب ولا تعجل.
أما سمعه ونظره فقد كان صحيح السمع مضيئه
يستعين بالنظارة على بصره ، متوسط البنية إلى الدقة أقرب فصيح اللسان بالنطق واضحاً وبالبيان مفصحاً ، شجي الصوت قويه ، حاد الذكاء وقاداً
جليلاً ذو مهابة زاده كبر السن لينأً وتؤدة ووقاراً صافياً هادئاً براً صبوراً ذكاراً
: هيئته الخُلُقيّة
لا أحنث إن حلفت أن الشيخ رحمه الله تعالى قد وهبه الله تعالى عقلاً وحلماً وسكوناً لا يبارى ولا يضاهى ، وزاده المولى أن ألقى محبته في قلوب الناس ونال القبول عندهم حتى إن الناظر إليه لأول وهلة يغدق حبه في قلبه ويرنو نظر المودة إلى سره فيعشقه عشقاً لا يوصف ، بيد أن المستمع إليه الواعي لا يتمالك نفسه إلا ويراها تنجذب إليه محبة وإكراماً واحتراماً .
ومرد هذا كله أنه قد خبر الناس وحاكاهم محاكاة الخبير العالم العارف ، حيث اكتملت فيه معاني الإرشاد والتوجيه
ومن أرقى صفاته وأكمل سماته أنه كان من طبعه أن يحسن لمن يسئ إليه ، ويتجاوز عمن بلغه عنه مقولة أو كلام .
كاظماً للغيظ كاتمه ، لا يظهر علامات الغضب اعتباطاً ، بل من النوادر القليلة أن تراه غاضباً حيث أوتي قدرة على استيعاب الأعطاف كرماً من خفي الألطاف .
يظهر البشاشة والفرح ، وتعلوه بسمة رقيقة ناعمة من غير صوت وربما أظهر السرور عند الشدائد تعليماً لنا وتوجيهاً .
ويستعين على النوائب والصروف وما أكثرها بالصبر والسلوان والذكر والصلاة والإيمان الراسخ بقضاء الرب الجليل ، من رآه يحكم أنه يزداد تواضعاً مع عزة مستمرة ولم يزدد ناظره منه إلا مهابة وتقديراً واحتراماً ، كأنه درة ينعكس نورها وبهاؤها على من التقاه أول مرة .
كل هذا مع تواضع ملموس ، وأخلاق رضية طيبة ،
قد سلكه المولى عز وجل الفطنة وصفاء القريحة ،
مع نظافة في اللسان والبيان ذو رائحة طيبة من غير أن يمس طيباً على عادة أولياء الله رضي الله عنهم وأرضاهم