نشأ شيخ العلم والعلماء, وحافظ الديار الشامية " الشيخ محمود بن قاسم بعيون الرنكوسي" الحنفي مذهبا, النقشبندي مشربا, في بلدة رنكوس, وهي من قرى الشام, تبعد عن دمشق حوالى خمسة وأربعين كيلومترا من الشمال الشرقي، من أب اسمه قاسم وأم اسمها فاطمة
وقد اشتهر بالرنكوسي نسبة الى بلده التي منها أصل أجداده
فمنذ ولادته سنة (1329ه-1910م) غمره والده بعنايته, حيث تفتحت عيناه على بيت مليء صفاء, وايمانا ودينا
وما أن أبصر نور الحياة, وبسقت أزاهيره, حتى توفيت أمه وله من العمر سنتان. وكان في مقتبل صباه ذكيا، فطنا ذو انتباه، بقلب بالصفاء مشيد, ورأي سديد، ومسلك رشيد, اذ كان ينمو نموا وئيدا, لايحمل في قلبه غلا ولابغيضا
فلم يكب كبوة على عادة الشبان, ولم يخط خطوة زلة كعادة الركبان, بل كان حفظ الله يحوطه كالسوار بالمعصم, يسير بروعة ملحوظة فيها التوفيق والصفاء كأنه ملهم, ووالده " الشيخ قاسم بعيون " –رحمه الله
- يحب العلم وأهله, ويحمل في طيات قلبه لهفا فيه سر من الله تعالى, بأن يكون ولده محمود من العلماء العاملين ومن الآولياء العارفين, وكان يتوقع له ذلك في المستقبل القريب لما رآه من هالة رائعة مضيئة في حالة صغره, ولما رأى بين عينيه الوقادتين ذكاء وفهما لامثيل لهما
ولما شعر شعور احساس وواقع وأن ولده " محمود " ينشأ ويشب شبابا لامثيل له في كل جيل وقبيل, ولله در هذا الوالد رحمه الله الذي تفرس بابنه بفراسة المؤمن الذي ينظر بنور الله حين وقعت فراسته موقعها, ووافقت تقادير المولى الكريم وكأنه محدث ملهم كسيدنا عمر بن الخطاب صاحب " الموافقات" , فكان أن حمله على مركب الصدق والأمل, وطار به من غير جناح الى دار الحديث الأشرفية في دمشق العصرونية سنة 1920م تقريبا ووقف بين يدي الولي العارف بالله تعالى محدث الدنيا " الشيخ بدر الدين الحسني " رضي الله عنه وهناك المفاجأة الكبرى والكرامة العظمى, والتخصص الالهي, والكرم الرباني, حيث نطق والده الشيخ قائلا : (( يا شيخ بدر الدين لقد أتيت بولدي " محمود " حتى يدرس عندك العلوم الشرعيةوالدينية ويكون من العلماء, فقال " الشيخ بدر الدين " رحمه الله : تريد أن تعرفني على محمود وأنا كنت أربيه وهو في صلب جده )). ماشاء الله , لله درك ياشيخ بدر الدين فأنت صاحب السر القوي المتين