خطبة: طاعة الله وطاعة رسوله
عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافُهم على أنبيائهم .}رواه البخاري ومسلم.
سبب تكنيته بأبي هريرة مارُوي عنه أنه قال : كنت أحمل يوماً هرةً في كمي فرآني النبي صلى الله عليه وسلم فقال{ما هذه:فقلت هرة،فقال لي يا أبا هريرة}.
قدِم المدينة سنة سبع ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيـبر فسار إليه وأسلم على يديه،ولازمه ملازمةً تامة رغبة في العلم.فلذا كان اكثر الصحابة رواية بإجماع العلماء.روي عنه خمسة الآف وثلاثمائة حديث واربعةٌ وسبعون حديثاً وكان يقول:إنما حدثت بنصف الأحاديث التي أعرفها.ورُوي عنه أنه قال : كنتُ أُكْثِرُ من مجالسةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.وانه حدثنا يوماً فقال:{من يبسط ثوبه حتى أفرغ من حديثي ثم يقبضه،فانه ليس ينسى شيئاً سمعه مني أبداً فبسطت ثوبي أو قال ردائي ثم حدثنا،فقبضته إليَّ فوالله ما نسيتُ شيئاً سمعته منه} وكان رضي الله عنه رئيس أهل الصفة، وهي موضع مظلل في المسجد النبوي يأوي إليه فقراء المهاجرين . أغلبهم لم يكن عليه من الثياب إلا ما يستر عورته فقط.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم . يجالسهم ويأنس بهم . ويدعوهم بالليل فيفرقهم على أصحابهِ. وتـتعشى طائفة منهم معه. وكان إذا جاءته هدية أصاب منها وبعث إليهم منها. وإذا جاءته الصدقة بعث بها إليهم ولم يُصب منها.
ونقل عن مجاهد أنه قال:كان أبو هريرة يقول،والله،إني كنت لأعمدُ بكبدي على الأرض من الجوع وإني كنت لأَشدُ الحجر على بطني من الجوع وقد قعدت يوماً علىطريقهم الذي يخرجون منه،فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله،ما سألته إلا ليستتبعني . { أي يأخذني معه إلى البيت وعند ذلك أي بحجة السؤال يقدم له شيئاً من الطعام يسد به جوعته} فلم يفعل، ثم مر عمر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل، فمر أبو القاسم محمد صلى الله عليه وسلم فعرف ما في وجهي وما في نفسي فقال: {أبا هر،فقلت لبيك يارسول الله . قال الحقني فتبعته،فدخل واستأذنت،فأذن لي،فوجد لبناً في قدح،فقال من أين لكم هذا اللبن،فقالوا أهداهُ لنا فلان أو آل فُلان .قال:أباهر،قلتُ لبيك يارسول الله قال إنطلق إلى أهل الصفة فادعهم ،قال : فأحزنني ذلك ، وكنت أرجو أن أصيب من اللبن شربة أقوىَ بها بقية يومي وليلتي،فقلت،أنا رسول،أي المكلف بتبليغهم دعوة رسول الله. فإذا جاء القوم،كنت أنا الذي أعطيهم،فلم يبق لي من هذا اللبن شيءٌ لأن عدد أهل الصفة سبعمائة إنسان ، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسول الله بدٌ. فانطلقت فدعوتهم،فاقبلوا،فاستأذنوا فأذنَ لهم،فأخذوا مجالسهم من البيت ، ثم قال أباهر : خُذ فأعطهم فأخذت القدح فجعلتُ أعطيهم،فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروى،ثم يرد القدح فأعطيه الآخر،فيشرب حتى يروى . ثم يرد القدح ، حتى أتيتُ على آخرهم ودفعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.فأخذ القدح فوضعه في يده وقد بقي فيه فضلة ، ثم رفع رأسه فنظر إليَّ وتبسم،فقال أباهر فقلت لبيك يارسول الله.قال فاقعد فاشرب.فقعدت فشربت،ثم قال لي اشرب،فشربت.ثم قال لي اشرب فشربت.فما زال يقول اشربْ وأشرب،حتى قلت : والذي بعثك بالحق ماأجدُ له مسلكاً.قال ناولني القدح.فرددت إليه القدح فشرب من الفضلة}.
وروي عنه رضي الله عنه أنه قال : أصبتُ ثلاث مصائب في الإسلام ، موت النبي صلى الله عليه وسلم.وقتل عثمان . والمزود،قالوا له وما المزود : قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم . في سفر .{ فقال هل معك شيء . فقلت،تمرٌ في مزود ، قال جيء به فأخرجت منه تمراً ، وفي رواية عشرين تمرة ، فسمى الله ودعا وجعل يضع كل تمرة ويسمي حتى أتى إلى آخرهنَّ ، ثم قال.ادعُ الجيش عشرة عشرة،فدعوتهم حتىأكل الجيش كله. وبقي في المزود ، فقال إذا أردت أن تأخذ منه شيئاً فخذ ولا تكبُّه ، فأكلت منه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأبي بكر وعمر وعثمان فلما قُتل عثمان أُنتهبَ بيتي،وانتهب المزود}
ومن فضائله رضي الله عنه،أنه كان يستغفر الله ويتوب إليه كل يوم اثني عشر ألف مرة . وجاءه رجل فقال ادع لابني فقد وقع في نفسي الخوف عليه من الهلاك فقال له.ألا أدلك على ما هو أنفع لك من دعائي وانجح وأسرع إجابةً . قال بلى . قال تصدقْ بصدقةٍ تنوي بها نجاة ولدك وسلامة من معه.
فأعطى هذا الرجل سائلاً درهماً ،وقال:هذا فداء ابني زيد ومن معه. فلما قَدِمَ ولده زيدٌ سأله أبوه عن حاله ، فقال ياأبي قد رأينا عجباً يوم كذا وكذا،وذلك أنا أشرفنا على الهلاك والغرق.فسمعنا صوتاً من الهواء ، ألا إن فداء زيد مقبول وزيدٌ مُغاث وجاءنا رجال عليهم ثياب بيض ، فقدّموا السفينة إلى جزيرة كانت بالقرب منا. فسلمت السفينة وكل من فيها ، ثم سرنا بعد ذلك بأمان من الله . وتوفي بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام في آخر خلافة معاوية وله من العمر ثمان وسبعون سنة ودفن بالبقيع . { يرجى إعادة قراءة الحديث ثانياً } المعنى : ما نهيتكم عنه ومنعتكم منه . منع تحريم فاجتنبوه . واجعلوه جانباً وتباعدوا عنه واتركوه.وما أمرتكم به وطلبته منكم طلب وجوب فأتوا منه وافعلوه ما قدرتم
عليه من غير إهمال ولاكسل . فإنما أهلك الذين من قبلكم من الأمم السابقة كثرة مسائلهم التي لغير حاجة ولغير ضرورة ، فانها تشعر بالتـعنت والاستهتار.كقولهم لسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام {هل يستطيع ربك أن ينـزل علينا مائدة من السماء}فطلبها سيدنا عيسى من ربه عز وجل.فنـزلت الملائكة بهامن السماء عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات فأكلوا منها حتى شبعوا ، وفي حديث أنزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً فأُمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا،فخانوا وادخروا فمسخوا قردةً وخنازير:وكقولهم تعنتاًوازدراءً لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام{أرنا الله جهرةً}
أي عياناً،فأخذتهم الصاعقة عقب هذا السؤال،وهي نارٌجاءت من السماء فأحرقتهم وكقولهم له أيضاً تعنتاً واحتقاراً{ ادعُ لنا ربك يبين لنا ما هي } لما أمروا بذبح بقرة ولو أنهم عمدوا إلى أي بقرة فذبحوها لأجزأتهم ، ولكن شددوا على أنفسهم بكثرة السؤال عن حالها وصفتها فشدد الله عليهم.
روي أن رجلاً فقيراً في بني إسرائيل قتل ابن أخيه لكي يرثه ثم رماه في مجمع الطريق ثم شكا ذلك إلى سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام فاجتهد سيدنا موسى في تعرف القاتل،فلما لم يظهر قالوا سل لنا ربك حتى يبينه، فسأله فأوحى الله تعالى إليه أن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فتعجبوا من ذلك ثم شددوا على أنفسهم بالاستفهام عن حالهاحالاً بعد حال.فلما تعينت البقرة لم يجدوها بذلك النعت إلاعند إنسان معين ولم يبعها إلابأضعاف ثمنها فاشتروها فذبحوها وأمرهم سيدنا موسىعليه الصلاة والسلام أن يأخذوا عضواً منها فيضربوا به القتيل ففعلوا،فصار المقتول حياً.وعين لهم قاتله وهو الذي ابتدأ بالشكاية.فقتلوه قوداً أي قصاصاً . قيل كانت هذه البقرة لولد بارٍ بوالدته خلفها له أبوه.وكان هذا الولد يقسم الليل أثلاثاً.يصلي ثلثاً.وينام ثلثاً. ويجلس عند رأس أمه ثلثاً . فإذا أصبح انطلق فاْحتطب فباعه ثم أكل بثلثه وتصدق بثلثه.وأعطى أمه ثلثه.فأمرته ذات يوم ببيع البقرة بثلاثة دنانير تحت مشورتها.وكانت قيمتها هذا القدر.فانطلق بها إلى السوق.فبعث الله إليه ملكاً فقال له بكمْ تبيع هذه البقرة.قال بثلاثة دنانير بشرط رضا أمي.فقال له الملك أعطيك ستة دنانير ولا تشاورها . فقال لو أعطيتني وزنها ذهباً لم آخذه إلا برضاها فردها إلى أمه فأخبرهابذلك فقالت له ارجع فبعها بستة دنانير على رضاً مني فانطلق بها فأتاه الملك فقال له الولد.إنها أمرتني ألا أنقصها عن ستة دنانير على أن أستأمرهافقال له الملك إني أعطيك اثني عشر ديناراً ولا تستأمرها فأبى ورجع إلى أمه فأخبرها بذلك.فقالت له: إن الذي يأتيك ملك في صورة آدمي ليختبرك . فإذا أتاك فقل له أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا،ففعل فقال له الملك اذهب إلى أمك وقل لهاأمسكي هذه البقرة ، فإنك ستبيعيها بملىء جلدها ذهباً . فأمسكتها حتى وجد هذا القتيل فاشتروها بملىء جلدها ذهباً.فهذه ثمرة ونتيجة قوله صلى الله عليه وسلم .{ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم }و أما اختلافهم على أنبيائهم . فقد أهلكهم عصيانهم . بتفرقهم في الدين وتخاصمهم فيه . كاليهود عليهم من الله ما يستحقون.أمرهم سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام أن يتفرغوا للعبادة يوم الجمعة واخبرهم بفضله وبركته.فأبوا إلاطائفةً منهم وقالوا لانريد الجمعة ونريد يوم السبت فشدد الله عليهم وحرّم عليهم صيد السمك في هذا اليوم.وابتلاهم بأن الهم السمك أن يجتمع كله في هذا اليوم . فلا يُرى الماء من كثرته . فإذا مضى يوم السبت تفرق السمك ولزم قعر البحر.فوسوس الشيطان إلى بعضهم . بأنهم نهوا عن أخذ السمك يوم السبت . ولم يُنهَوْا عن أخذها في غير هذا اليوم ، فاتخذوا سبيل الحيلة فحفروا في جانب البحر حفرةً كبيره وجعلوا لها أنهاراً من البحر.فإذا كانت عشية الجمعة فتحوا تلك الأنهار فيقبل الموج بالحيتان إلى الحفرة .فيقع فيها السمك ولا يقدر على الخروج منها لعمقها.فإذا كان يوم الأحد أخذوها وشووها وأكلوها . فشم جيرانهم رائحة السمك.فسألوهم فأخبروهم عن تلك الحيلة التي اتخذوها . ثم تبعهم جماعة في هذه المخالفة حتى تجرؤوا على يوم السبت . وقالوا ما نرى السبت ألا قد حُلَّ لنا فغضب الله عليهم وجعلهم عبرةً لمن يعتبر . فمسخهم قردةً وخنازير ثم هلكوا عن آخرهم . ففي هذا الحديث إشارةٌ إلى وجوب أتباعه صلى الله عليه وسلم في كل ماأمرنا به وتسليم ما جاء به من الأحكام من غير معارضة ولا جدل.لانه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوُحى.
خطبة الجمعة
للشيخ حسين صعبية
في جامع الدلامية
بتاريخ: 8 ذو القعدة 1418هجري. الموافق: 6/3/1998م