عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال . .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لايؤمن أحدُكم حتى يكونَ هواهُ تبعاً
لما جئت به } حديث صحيح . . . .
عبد الله بن عمرو بن العاص ، هو وأبوه صحابيان جليلان كريمان . أسلم سيدنا عبد الله قبل أبيه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم . يفضله على أبيه لأنه كان من علماء الصحابة وفضلائهم وزهادهم وعبادهم ، وكان كثير التلاوة للقرآن الكريم ، وكان يقول : لأن تدمع عيني دمعة من خشية الله عز وجل أحبَ إليَّ من أن أتصدقَ بألف دينار.وكان يصوم النهار ويقوم الليل ويرغب عن جماع النساء أي : يزهد فيه : رُوي أن أباه زوجه امرأة من قريش ثم دخل عليها بعد مدة حتى يسألها كيف ولده معها ، فقال لها كيف وجدتِ زوجك ، فقالت هو خيرُ الرجال ألا أنه لم يعرف لنا فراشاً ، فأقبل على ولده عبد الله يكلمه في ذلك وقال له : زوجتك امرأةً من أشراف قريش ،لم تلمسها إلى الآن. فتركه وانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم .فشكاه له.فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال له : ياعبد الله أتصوم النهار قال : نعم : قال وتقومُ الليل . قال :نعم :فقال صلى الله عليه وسلم :{ لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأمسُّ النساء . فمن رغب عن سنتي فليس مني }أي ليس على طريقي الكاملة :ثم إن هذا الحديث مع وجازته أي قصره : يصلح أن يقال فيه إنه كل الاسلام ، لإفادته أن من كان هواه تابعاً لجميع ما جاء به صلى الله عليه وسلم . فهو المؤمن الكامل ، ومن أعرض عن جميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم . ومنه الإيمان فهو الكافر ، وأما من تبع البعض ، فان كان ما تبعه هو أصل الدين وهوا لايمان دون ما سواه فهو الفاسق ، وإن كان الذي تبعه الأشياء المخالفة للدين وترك الإيمان فهو المنافق :
معنى الحديث الذي رواه سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه لايؤمن أحدكم إيماناً كاملاً حتى يكون حبه وميله ومقصده تابعاً للذي جئت به من الشريعة المطهرة ، وأنه لايكمل إيمان أحد حتى يهوى بقلبه ويميل بطبعه إلى ماجاء به النبي صلىالله عليه وسلم.من الدين كميله للأشياء الدنيوية التي جبلت النفس على الميل إليها ، والمعلوم أيها المؤمنون الكرام أنه لايحصل الرجوع عن الهوى النفس ورعنتها الشهوانية المطبوعة عليها إلا بمجاهدةٍ . وتصبرٍ . واحتمال مشقةٍ . حتى تطمئن النفس . فإذا اطمأنت . أحبت ما يحب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم . ونشأة عن هذه المحبة . امتثالُ الأوامر واجتناب المناهي . والرضا بالقضاء والقدر . . .
رُوي عن حذيفة بن قتادة رضي الله عنه أنه قال : كنتٌ في مركب فكُسرت بنا ،فوقعت أنا وامرأة على لوح ، فمكثنا سبعة أيام فقالت المرأة ، لقد اشتدني العطش،فعند ذلك سألتُ الله تعالى أن يسقيهافنزلت عليها من السماء سلسلةٌ فيها كوز معلقٌ فيه ماءٌ فشربت،فرفعت رأسي أنظر إلى السلسة ، فرأيت رجلاً جالساً في الهواء متربعاً،فقلت ممن أنت ، قال أنا من الأنس،قلت كيف حصلت على هذه المنـزلة ، قال:آثرت مراد الله تعالى على هواي ،فأجلسني كما تراني وعن وهب بن منبه رضي الله تعالى عنه ، أنه قال :كان في بني اسرائيل رجلان بلغت بهما عبادتهما إلى أن مشيا على الماء . فبينما هما يمشيان على البحر ، إذا هما برجل يمشي في الهواء ، فقالا: يا عبد الله ، بأي شيء ادركت هذه المنـزلة قال: بيسير من الدنيا،فطمت نفسي عن الشهوات.وكففت لساني عما لايعنيني ورغبت فيما دعاني الله إليه ولزمت الصمت . فإن أقسمت على الله أبر قسمي وإن سألته أعطاني . . .
وما أحسنَ قولَ بعضهم . . .
إذا طالبتك النفس يوماً بشهوة وكان عليها للخلاف طريق
فخالف هواها ما استطعت فإنما هواها عدوٌ والخلاف صديق
وقيل لبعض الحكماء . . . مَنِ الملوك ، فقال : من ملك هواه . واتبع رضا مولاه . . . وحكي عن بعضهم أنه كان يطوف بالبيت . فنظر إلى امرأة جميلة فمشى إلى جانبها ثم قال . . . .
أهوى هوى الدين واللذاتُ تعجبني فكيف لي بهوى اللذاتِ والدين
فأجابته بقولها . . . . . دع أحدَهما تنلِ الآخر . . . .
فمن زاحمهم عليها أبغضوه ، ومن زهد فيها وتركها لهم أحبوه . . . .
وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى . . . . . . .
لا يزال الرجل كريماً على الناس حتى يطمع في دنياهم فإذا فعل ذلك استخفوا به وكرهوا حديثه وأبغضوه . . . .
وما أجمل ما قيل . . . . .
الناس إخوانُك ما لم تكن تطمع فيما عندهم من حطامِ
فإن تعرضتَ لأموالهم كنتَ عدواً لهم والسلامِ
وقال أعرابي لأهل البصرة ، مَنْ سيدُكم : قالوا. الحسن ، قال بما سادكم:قالوا احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم ، فقال ما أحسن هذا . . . .
وسأل كعبُ الأحبار عبد الله بن سلام بحضرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يُذهب بالعلم من قلوب العلماء بعد ما حفظوه وعقلوه . فقال:يذهبه الطمع وشره النفس وطلب الحاجات إلى الناس . فقال : صدقت . . . . .وقد ورد في الحديث:حبُّ الدنيا رأس كل خطيئة واللهُ لا يحبُّ الخطايا ولاأهلها ونُقل عن محمد بن المنكدر رحمه الله تعالى . أنه قال تجيء الدنيا يوم القيامة تتبختر في زينتها ، فتقول :يارب :اجعلني لأحسّنِ عبادك داراً ،فيقول الله تعالى لا أرضاك له ، اذهبي إلى النار فتقول : يارب ، ومَنْ يحبني يكون معي في النار فيقول لها ومن يحبك يدخل معك النار ، فعند ذلك تأخذهم جميعاً إلى النار.
ونسأله تعالى أن يجعل الدنيا بين أيدينا ولا يجعلَها في قلوبنا . . . . . .
خطبة الجمعة في جامع الدلامية
للشيخ حسين صعبية
بتاريخ 24 صفر 1419 هجري
الموافق 19\6\1998 م