خطبة : صفة التكبر                     

قال صلى الله عليه وسلم { من كان في قلبه مثقالُ حبة من خردلٍ من كِبرٍْ،كبه الله لوجهه في النار ولا يدخلُ الجنةَ ولا يشمُ ريحها } . . . . . . .

أيها المؤمنون . . . . . . .

إن التكبر صفة قبيحة جداً . وهي منطلق شرورٍ كثيرة.وانحرافاتٍ خطيرة في مجربات الحياة الانسانية والاجتماعية.ولكن ماحقيقة التكبر الممقوت الذي حذر الإسلام منه

إن التكبر في الحقيقة يرتكز على شيئين . . . . . .

أولُهما  :  دفعُ الحق وردُّهُ . وعدمُ قبوله . . . . . .

ثانيهما :   احتقارُ الناس وازدراؤُهم . . . . . . . . . .

فليس من التكبر أن يكون ثوب الإنسان حسناً . ونعلُه حسناً . وليس من التكبر أن يأخذ المرء حظَّهُ من النعيم الميسر بلا إسرافٍ ولا تبذير . أو أن يتمتع بالطيبات التي أحلها الله من الرزق . فإن الله تبارك وتعالى جميل يحب الجمال . متصف بكل كمال يحب سبحانه وتعالى أن يرى عبده متحلياً بآثار نعمته.متمتعاً بمحامد فضله. في نطاق الحلال والاعتدال مع شكر الله وعمل الصالحات . . . . . .

 قال تعالى . . . .

{ياأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات مارزقناكم.واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون}

وعن سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لايدخلُ الجنةَ مَنْ كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كِبرٍْ . فقال رجلٌ إن الرجل يحبُ أن يكون ثوُبه حسناً ونعلُه حسناً.قال : إن الله جميل يحب الجمال . الكِبْرُ بَطَرُ الحقِّ وغمطُ الناس } . . . . .

فبطر الحق : يكون بدفعه وإنكاره.وعدم الرضى به.وغمط الناس :يكون باحتقارهم والترفعُ عليهم.وبخسُهم أشياءهم.فالمتكبرون يرفُضون الحق إذا كان عليهم .فتراهم يحتالون ويجتهدون في طمسه وإنكاره . لأن نفوسهم الخبيثة تأبى الخضوع للحق . . والانقياد للعدل .ولا ترضى إلا بالباطل . ولا تنقاد إلا إلى الهوى .خصوصاً إذا كان ذلك يحقق لهم مصلحة ونفعاً . ثم هم يفخرون على العباد وينظرون بعين الاحتقار والازدراء إلىكل من عداهم.ولاتعجبهم إلا نفوسهم وآراؤهم .ولهذا ترى المتكبرين في كل زمان ومكان . لا ينتفعون بآيات الله تعالى . ولا تؤثر فيهم أسباب الهداية والموعظة . فهم مصروفون عن الله . . . .

قال تعالى . . . .  { سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق }

فالإسلام دين التواضع ودين التسامح . فهو يحرم التكبرَ والتعاظمَ والعلوَ في الأرض فالتواضع : خُلُقُ المسلم المؤمن . يتواضع به لله عز وجل . تذللاً وانقياداً وخضوعاً لجلاله وجبروته . حيث تفرد وحده بالعزة والكبرياء والجبروت { وله الكبرياء في السموات والأرض . وهو العزيز الحكيم }وإن الجنة الموعودة في الدار الآخرة . قد جعلها الله عز وجل لعباده المتواضعين . . المتراحمين المنصفين . الذين يتقبلون الحق ويطلبونه . ويعاملون الناس به ويعطونه فهؤلاء يرفع الله مقامهم في الدنيا .ويعلي درجاتهم في الآخرة ويرزقهم العزة والرفعة ويصلح بهم أمورالحياة.فتعمر الأرض بالعدل.وينتفي البغي والظلم والفخر والعجب وما تواضع أحد لله إلارفعه . وزاده عزاً وشرفاً . وأثبت له في قلوب العباد منـزلة سامية من المحبة والاحترام . واذا تدبرنا أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابتِهِ الكرام.والتابعين لهم بإحسان.وجدناهم أمثلة رائعة في التواضع والتآلف وقبول الحق فقد كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . سيد المتواضعين . وكان تواضعه ظاهراً في مأكله ومشربه . وملبسه ومسكنه . وفي مجلسه ومشيه.وفي سفره وحضره وفي كلامه وتوجيهه ودعوته . وفي سائر ألوان حياته الشريفة وقد أدبه ربُّه عز وجل حتى صار خلُقَهُ القرآنُ فقال تعالى { فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم . ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك . فاعفُ عنهم واستغفر لهم . وشاورهم في الأمر } فاذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم . بين أصحابه كان كواحد منهم واذا مشى جعل أصحابه أمامه ومشى خلفهم . واذا أكل جلس على الأرض واذا جَهِل عليه أحد . عفى عنه وأرشده حتى يَرضاه . وإذا كان في سفر رعى أصحابه وتلطف بهم وساعدهم في شؤونهم . . . . . . .

أراد أصحابه صلى الله عليه وسلم . في سفر أن يهيئوا شاة للطعام فقال أحدهم عليَّ ذبُحها . وقال آخر : عليَّ سلخها . وقال آخر : علىَّ طبخُها فقال صلى الله عليه وسلم { وعليَّ جمع الحطب . فقالوا يارسول الله نحن نكفيك ذلك . فقال : علمتُ أنكم تكفونني . ولكن أكرهُ أن أتميز عليكم . وإن الله يكره من عبده أن يراه متميزاً بين أصحابه} وكذلك كان أصحابُ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  على هذا الخُلُق فمن أصحاب المصطفى صلى الله عليه وسلم .سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان خليفة الدنيا . وقد فُتحتْ له ممالك الأرضِ وكنوزُها . فحينما خرج إلى الشام استقبله أصحابه القادة . فأتَوْا على مخاضةِ ماء . وسيدنا عمر على ناقة له . فنـزل وخلع خفيه . فوضعهما على عاتقه . وأخذ بزمام ناقته فخاضَ الماء .فقال أبو عبيدةَ القائدُ العام لجيوش الشام . يا أمير المؤمنين : انت تفعل هذا . ماَيُسرُني أنَّ أهلَ البلدِ استشرفوك . ورأوْك على هذه الحالة . فقال سيدنا عمر : لو قالها غيرُك يا أبا عبيدة لجعلته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم   . . . . . . .إنا كنا أذلَّ قومٍ فأعزنا الله بالإسلام .فمهما نطلب العِزَّ بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله وأصبح التواضعُ أيها المؤمنون في نظر الناس ذلاً . والتسامحُ ضعفاً . والتكبرُ فخراً وعزاً . والرياءُ لباقةً وأدباً . والاعجابُ بالرأي والنفس همةً وحزماً . . . . . .وهكذا ترون كيف انقلبت المفاهيم والقيم . وعُطلت المروءآت والشيم . وامتلأت الحياة بالتنافر والشقاق والأحقاد والنفاق . وسوء التعامل والاخلاق . . . . . .هذه خلاصةُ حياة الانسان . فهل فيها مايدعوا إلى العجب والتكبر والاستعلاء على

عباد الله تعالى . هل يجوز لإنسان ما أن يتعاظمَ ويتكبر ويطغى ويتجبر . . . . وينازعَ الله في صفاته . وهذا المتكبر لا يخرج عن كونه مخلوقاً من ماء مهين . . . وعما قليل سيصير إلى جيفة قذرة . وعظام نخرة . وترابٍ يداس بالأقدام . وهو إن سلط الله عليه ذبابةً أو بعوضةً أهلكته وقضتْ عليه . وهدَّتْ سلطانه وغروره . . .وفضحتْ عجزه وضعفه . . . . . .ثم هل الانسان سوى مخلوقٍ عاجز مسكين ضعيف . لا يملك لنفسه ضُراً ولانفعاً

يجوع كُرهاً . ويظمأ كرها . ويمرض كرها . ويموت كرها . يريد أن يعلم الشيء فيجهله . ويريد أن يذكره فينساه . يناله الضُرُّ والمكروه . وينـزل به الشر والبلاء لا يأمن على نفسه في لحظة من ليله أو نهاره . . . . . .فرجوع أيها المؤمنون إلى تعاليم ديننا العظيم . وبما جاءنا به سيد الأنبياء والمرسلين

حتى نكون يوم العرض الأكبر من الفائزين . الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون.

خطبة : الجمعة في جامع الدلامية                                        

 للشيخ حسين صعبية

 بتاريخ 17/صفر/1419 هجري                        الموافق 12/6/1998 م