خطبة شهر رمضان                      

 { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول . ولا تبطلوا أعمالكم }

أيها المؤمنون . . .

لقد كان شهرُ رمضان شهراً فاضلاً . ملأنا نوراً .وزودنا بالتقوى.وارتفع بأرواحنا إلى أنفاس الملائكة المقربين . وكانت رحلته رحلة بعيدة المدى .  في بعث الروح وتهذيب الخُلُق . وتعويد الصبر . وتعليم القناعة والرضا . وتمرين المسلم على أداء الصلوات في أوقاتها.وتدريبه على الإكثار من

نوافلها.حتى يتخرُج من شهر رمضان عبداً ربانياً . أو إنساناً ملائكياً . يحظى برعاية الله ويسعدُ بمحبته ورضوانه .

يقول الله عز وجل في الحديث القدسي:

{ ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه . فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به . وبصَره الذي يُبصرُ به . ويده التي يبطش بها . ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينَّه . ولئن استعاذ ني لأعيذنه }

فشهر رمضان أيها المؤمنون . كان  مدرسة التأديب والتهذيب . ومدرسة الطهر والأخلاق .  ومدرسة المعرفة والرضوان . ومدرسة القناعة والإحسان . هاهو قد مرَّ مع الأيام مرَّ السحاب.وذهب بدون شعور ولا حساب وكلُّ أيامنا تنقضي وأعمارُنا تنتهي ولم ننتبه للعبر . ولم نلتفت للتذكر . وما يتذكر إلا أولوا الالباب فهل استفدنا من الصوم . وتأملنا روحانيته . وتدبرنا فيه مراقبة الله وخشيته وهل تعودنا فيه الصبر على الملمات . والعزيمةَ على الشدائد والصعوبات . . . . والرضا بقضاء الله حلوه ومُرِّه خيره وشره.والقناعة بالرزق . والاقتصاد في الفقر والغنى . وحب المسالمة مع الأهل والأصحاب . وعملِ الحساب ليوم الحساب { يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذٍ لله } فطوبى لعبد خرج من شهر رمضان بتلك الحصيلة من الخير والبر .وعَمِلَ المعروف والصالحات من الأمور واستعد للقاء الله . يوم ينادي المنادي . لمَن الملك اليوم  ؟ فتكون الإجابة { لله الواحد القهار } . 

أيها المؤمنون الكرام . عاش المسلمون الأولون في جوار رمضان أحسن جوار . فأحسنوا وأكرموا جواره واقتبسوا من أنواره . فكانوا في الليل

رهباناً.وفي النهار فرساناً . يعملون الأعمال الصالحة . ويجاهدون في سبيل الله . وإذا خرج عنهم رمضان . التزموا طاعة الله وداوموا على عبادته . لأن روح الصوم أثَّرَ في أعماق قلوبهم . وتفاعُلِ نفوسهم وتعودت جوارحُهم عَمَل الصالحات وفعل الخيرات . ولذلك قال بعض الصالحين علامةُ قبول الصوم عند الله : أن يكون العبدُ بعد الصوم وبعد خروج رمضان أهدى حالاً . وأحسن قيلاً .وأكثر عبادة وتقوى.فإن طاعة الله في رمضان كطاعته

في غير رمضان . وعبادتَه في يوم الصوم كعبادته في غير أيام الصوم . لأنك تعبدُ الله الذي لا يتحوَّل ولا يتبدل . ولا تأخذه سِنةٌ ولا نوم . فهو الحيُّ القيومُ الباقي على الدوام .فطوبى لعبد ذاق حلاوة الإيمان . وطَعِمَ طَعْمَ الإيمان . وتمتع بطاعة الرحمن . فتمسك بحبل التقوى . وظلَّ مقبلاً على مائدة الطاعة . فان للطاعة نوراً يُرى في الوجه . وضياءً يُبصرُ بالعين . ومحبةً تصلُ بينك وبين الله . وتربط بينك وبين عباد الله .

قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: للطاعة ضياء في الوجه .ونورٌ في القلب .ومحبةٌ في قلوب الخلق . وقربٌ من الرب وسعةٌ في الرزق . وللمعصيةِ سواد في الوجه. وظلمةٌ في القلب . وبغضٌ في قلوب الخلق . وبُعدٌ عن الرب . وضيقٌ في الرزق .

وقد سئل بعض الصالحين عن رأيه فِيمن يتعبدون في شهر رمضان . ثم يعودون إلى العصيان بعد رمضان.فقال :هم بئس القوم لا يعرفون الله حقاً إلا في شهر رمضان وذلك دليلٌ على انطماس البصيرة.واستحكام الغفلة في قلوبهم.وجهلهم بعذاب الله فأين هَولاء الذين ينسون الله سائر العام .ويحجرون فضله أحد عشر شهراً.ثم يمنون على ربهم أنْ عبدوه شهراً واحداً .

وبعد : لئن كان رمضان قد ذهب ومضى .  فإن الله سبحانه ليس بذاهب . . . والرسول صلى الله عليه وسلم يقول { أحب الأعمال إلى الله أدومُها . ومَنْ أبى طاعةَ الله عز وجل فقد أبى دخولَ الجنة والله غني عن العالمين } . . . .  .

فاتقوا الله عباد الله . اتقوا الله وَصِلُوا حبل الطاعة . ولا تنقطعوا عن العبادة . . .     فان الله يحب من تقرب إليه . ويُقبل على مَنْ سعى لساحته . واعلموا أنه سبحانه

تفرد بالكمال والجلال . فلا تنفعه طاعةُ من أطاعه . ولا تضره معصيةُ من عصاه

ولكن قال {  مَنْ عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } سورة النحل .  .  .

  خطبة الجمعة في جامع  الدلامية                                     

  للشيخ حسين صعبية

  بتاريخ 9\1\1998 م         الموافق        11 \رمضان 1418 هجري