خطبة عيد الأضحى                      

أنتم اليوم على أبواب عيد كريم ، هو عيد الأضحى المبارك.العيد الذي يجتمع فيه المسلمين على صعيد واحد ، في أشرف بقاع  الأرض  وأقدسها ، يهللون ويكبرون،ويرفعون أصواتهم بالتلبية والدعاء . وتمتلىء قلوبهم بالأمن والإيمان والرجاء. وفي يوم عرفة تاسع ذي الحجة وأفضل الأيام . ترى الحجاج المؤمنين وقد سارعوا إلى عرفات . وانتشروا في سهله الممتد عبر الأفق . متحللين  من مظاهر الدنيا. متجردين عن كل أنواع الزينة . مقبلين على الله الرحمن الرحيم  بقلوب منكسرةٍ وأصواتٍ مرتفعةٍ بالتلبية والدعاء،وضمائر نقية.مفعمةٍ بصادق الأمل والرجاء.

فتبارك الله الذي ألفّ بين هؤلاء العباد. وجمعهم إخواناً من غير معرفة أو قرابة أو ميعاد.اللهم إلا قرابة الدين ولُحمةَ الإيمان وأخوّةالإسلام.وهناك في عرفات ينتظم عقدهم، ويجتمع شملهم.على اختلاف ألسنتهم وألوانهم . وبُعد ديارهم. متجردين من الدنيا وزينتها.كأنهم ملائكة أطهار.فيتجلى عليهم الحق سبحانه فيسمع دعاءهم.ويجيب سؤالهم ويحقق آمالهم.ويغسل عنهم ذنوبهم.ويباهي بهم ملائكته فيقول:انظروا يا ملائكتي الى عبادي . جاؤوني شعثاً غبراً من كل فج عميق.يرجون رحمتي.فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل. أوكقطر الرمل أو كزبد البحر.لغفرتها لكم.أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم له.

فيالها فرحة عظيمة.يفرح بها المؤمنون.بعفو الله ورحمته. ويسعدون بتجلي الإله عليهم. وتكفير السيئات عنهم.واستجابة دعواتهم . إنه ولاشك بالنسبة إليهم العيد الأكبر.عيد الفرحة العظمى.والمنة الإلهية الكبرى.

أيها المؤمنون:

إن كان قد فاتكم شرف المثول بين يدي الله تعالى في بيته الحرام. وإن كنتم قد حُرمتم ثواب العيد الأكبر في منى والمزدلفة وعرفات.فإن لسان حال كل واحد منكم يقول. ياليتني كنتُ معهم فأفوزَ فوزاً عظيماً. وأنال خيراً كثيراً.

عن سيدنا علي رضي الله عنه ، أنه لما كان عشية عرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم.واقف.أقبل على الناس بوجهه فقال{مرحباً بوفد الله.{ثلاث مرات} الذين إذا سألوا أُعْطَوْا، وتُخْلَفُ عليهم نفقاتهم في الدنيا ، وتُجعلُ لهم عند الله في الآخرة.مكان كل درهم ألف.ألا أبشركم ؟ قالوا: بلى يارسول الله.قال فإنه إذا كان في هذه العشية ينـزل الله إلى السماء الدنيا ، ثم يأمر ملائكته  فيهبطون إلى الأرض،فلو طرحت إبرة لم تسقط إلا على رأس ملك فيقول الله عز وجل. يا ملائكتي انظروا إلى عبادي جاءوني شُعثاً غُبراً من أطراف البلاد ،هل تسمعون ما سألوني ؟ قالوا:ياربنا يسألونك المغفرة : فيقول سبحانه وتعالى فأفيضوا من موقفكم مغفوراً لكم}

فقدم بين يديه يوم القيامة أعمالاً صالحة وطاعة لله خالصة. تكون حجاباً له من النار.وقائداً يأخذ بيده إلى الجنة .

وفي اليوم التاسع من ذي الحجة . من هذه الأيام وهو يوم عرفة . وقف النبي صلى الله عليه وسلم.في أرض عرفه . وخطب المسلمين خطبته المشهورة التي بيَّنَ فيها قواعد الدين وآداب الإسلام.

وإن اليوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة افضل أيام السنة كلها،إنه اليوم العظيم اليوم الذي يجتمع فيه المسلمون على جبل الرحمة فينتشرون في سهله الفسيح انتشار النور في الأفاق فكأنه يوم الحشر العظيم. وفي هذا اليوم أيضاً ، يتجلى الله عز وجل على عباده  هناك ، فيغفر  ذنوبهم ويستجيب دعاءهم ويعتق رقابهم من النار.ويباهي بهم ملائكة السماء.

عن سيدنا جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفه،يدنو الله تبارك وتعالى من عباده فيباهي بهم أهل السماء}فيقول: {انظروا إلى عبادي،جاءوني شعثاً غبراً من كل فجٍ عميق،يرجون رحمتي،ولم يروا عذابي،أشهدكم أني قد غفرت لهم،فلم يُر قومٌ اكثرَ عِتقاً من النار من يوم عرفة}

وقد حض رسول الله صلى الله عليه وسلم . على صيام هذا اليوم فقال. {من صام يوم عرفة،غُفِرَ له سنةٌ أمامهُ وسنةٌ خلفهُ}

عن نافع عن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول .{ إن الله تعالى ينظر إلى عباده يوم عرفة فلا يدع أحداً في قلبه مثقال ذرة من الإيمان إلا غَفَرَ له ، فقالت لابن عمر رضي الله عنهما : للناس جميعاً . أم لأهل عرفة ؟ فقال : بل للناس جميعاً}

 وعن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.{دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة}:فأجابه الله تعالى{إني قد فعلت إلا ظُلمَ بعضهم بعضاً.فأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها} {فقال يارب إنك قادر إن تثيب هذا المظلوم خيراً من مظلمته وتغفر لهذا الظالم} قال:فلم يجبه تلك العشية،فلما كان غداة مزدلفة أعاد الحديث،فأجابه الله تعالى {إني قد غفرت لهم } قال : ثم تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له بعض أصحابه:يا رسول الله تبَسمتَ في ساعة لم تكن تتبسم فيها ، فقال: { تبسمتُ من عدو الله إبليس لأنه لما علِمَ أن الله قد استجاب لي في أمتي ما أهوى أخذ يدعو على نفسه بالويل والثبور،ويحثُ التراب على رأسه}

أيها المؤمنون الكرام.

إنكم على أبواب عيد الأضحى المبارك. في هذا العيد شرع الله الأضاحي تقرُباً إليه بدمائها وتصدقاً على الفقراء بلحمها. والأضحية من شعائر الإسلام ورمز التضحية والفداء . وسنة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهى مواساةٌ للفقراء وطعمةٌ للبؤساء . وإنكم أيها المؤمنون تستقبلون عيدكم الكريم فلا تنسوا زيارة القبور ، فإنها سنة مستحبة لاسيما قبور الأولياء والصالحين.فإنها تُذكَّر الموت وتزهد في الدنيا،وترغب في الآخرة. وكان صلى الله عليه وسلم . يزور أهل البقيع ، ويستغفر لهم . وعلَّمَ السيدة عائشة رضي الله عنها. أن تقول عند زيارة القبور.{ السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين،وإنا إن شاء الله بكم لاحقون}

وعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {كنت نهيتكم عن زيارة القبور آلآ فزوروها،فانها ترِقَُّ القلب . وتدمع العين،وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجراً}   { أي باطلاً } وعن أبي هريرة رضي الله عنه:أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال

{ السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين،وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وَددِتُ أنا قد رأينا إخواننا قالوا:أولسنا إخوانَك يارسول الله ؟ قال: بل أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين يأتون بعد،وأنا فرطهم على الحوض }

 أيها المؤمنون:

ليس لزيارة القبور وقتٌ خاص،إلا ما ورد في يوم الجمعة وليلتها وليلة السبت أي ابتداءً من بعد عصر يوم الخميس إلى صباح يوم السبت قبل طلوع الشمس لما ورد من حضور أرواح الأموات في هذه الأوقات . إذا زرتم قبور الأولياء  والصالحين فتذكروا ما كانوا عليه من تقوى وصالح الأعمال ، وأنهم كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون،وبالأسحار هم يستغفرون ، وأنهم المؤمنون المفلحون،الذين هم في صلاتهم خاشعون وعن اللغو معرضون ، وللزكاة فاعلون،ولفروجهم عما حرَّم الله حافظون وبشهاداتهم قائمون.ولأماناتهم وعهدهم راعون. وطالبوا أنفسكم بالسير على منوالهم فيما كانوا يقولون ويفعلون . فعلكم تكونوا من الذين قال الله تعالى في وصفهم{ألاإن أولياء الله لاخوف عليهم ولاهم يحزنون} وفي هذا العيد أيها المؤمنون شرع الله الأضاحي تقرباً إليه بدمائها ، وتصدقاً على الفقراء بلحمها.والأضحية من شعائر الإسلام ، ورمز للتضحية والفداء وسنة أب الأنبياء.إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وهي بعد ذلك مواساة للفقراء . وطعمة للبؤساء.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن داود عليه السلام قال: إلهي : ما ثواب من ضحى من أمة محمد صلىالله عليه وسلم.قال الله عز وجل ثوابه أن يُعطي بكل شعرةٍ منها عشر حسنات. ويمُحى عنه عشر سيئات ، ويُرفع له عشر درجات.فقال : إلهي فما ثوابه إذا شق بطنها.قال : إذا إنشق القبر عنه أخرجه الله تعالى آمناً من الجوع والعطش . ومن أهوال القيامة ، يا داوود له بكل بضعة من لحمها طير في الجنة كأمثال البخت ، وبكل ذراع منها مركب من مراكب الجنة وبكل شعرة على جسدها قصر في الجنة،وبكل شعرة على رأسها جارية من الحور العين ، أما علمت يا داود أن الضحايا هي المطايا وأن الضحايا تمحو الخطايا وتدفع البلايا . قُرْبا الضحايا فإنها فداء المؤمن كفداء إسماعيل من الذبح فالأضحية أحب الأعمال إلى الله تعالى،في هذا اليوم. قال صلى الله عليه وسلم.{ ما عمل آدمي في هذا اليوم أفضل من دم يهراق إلا أن تكون رحماً توصل }.

واعلموا أن في كل قطرة من دمها،فغفرهً لذنب من الذنوب ، ويجاء بلحمها ودمها وقرونها واشعارها وأظلافها ، فتوضع في ميزان العبد يوم القيامة وتضاعف سبعين ضعفاً. وترغيباً في الأضحية قال صلى الله عليه وسلم :{من وجد سِعة لأن يُضحي فلم يُضحي،فلا يحضر مصلا نا}.

خطبة الجمعة للشيخ حسين صعبية                         

في جامع الدلامية 3/4/1998 م      الموافق 6/ذي الحجة/1418هجري