خطبة: عقوق الوالدين
قال الله تعالى في كتابه الكريم:{وقضى ربك ألآتعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً،إمايبلُغنَّ عندك الكبر أحدُهما أوكلاهما فلا تقُلْ لهما أُفٍّ ولاتنهرْهما وقلْ لهما قولاً كريماً ، واخفضْ لهما جناحَ الذُّل من الرحمة وقلْ ربِّ ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلمُ بما في نفوسكم إنْ تكونوا صالحين فإنهَّ كان للأوابين غفوراً}
أيها الموُمنون الأفاضل:إن الله سبحانه وتعالى قضى قضاَء حقٍ،وأوجب على العباد أن لايعبدوا إلا الله وحده لا شريك له إذ هو القاهر فوق عباده والمتصرف في شوُون خلقه والخالق لكل شيىء في الأرض والسماء فلا أحدَ يستحق أن يُعبدَ معه،ولا أن يُقصدَ سواه،ولا أن يُطاع بمعصية. هذا المبدأ هو الذي يَرسُمُ للمؤمن طريق الخضوع لله والتقيد بمنهجه وإذا استباح الإنسان حُمىّ هذا المبدأ فقد استباح كل شيىء وانفلت من ربقة الفضيلة والشريعة على حدٍّ سواء. وللوالدين المقام الثاني في سلسة الحقوق علىالانسان،فهما سبب وجوده، ومصدر راحته،والعناية به،في حين كان لايملك الاستغناءعنهما،لذلك قرن القرآن الكريم الإحسان إليهما بعبادة الله تعالى،إحساناً ليس بعده إحسان تجتمع فيه كل أسباب المودة والعطف،والجوار الكريم.والحنان المتواضع، والنفقة المدرار.والخدمة الدؤوب.فإذا بلغ الوالدان أو أحدهما سن الكِبرَ وصارا عندك في آخر العمر بحال من الضعف والعجز،كما كنت عندهما في بَدءِ حياتك فعليك أن لاتسمعهما قولاً سيئاً فيه أدنى تبُّرم ولاتأفف وهو التضجر والتألم،لأن الحاجة إلى الاحسان حينئذ أشد وأولى وألزم لذا خُصَّ حالة الكبرَ لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى البر،للضعف والكِبر, عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم { لما صعد المنبر قال (آمين،آمين،آمين)قيل يارسول الله علام أمنت قال أتاني جبريل فقال:يامحمد رغم أنف رجل ذكرتَ عنده فلم يصلِ عليك قل آمين فقلت آمين،ثم قال:رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم خرج فلم يغُفر له،قل آمين فقلت آمين.ثم قال رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يُدخلاه الجنة قل آمين فقلت آمين} ايها الأحبة،لآبائنا علينا حق الطاعة،فمن عصى والديه فقد أذلهما،ومن نهرهما فقد أهانهما،والجزاء من جنس العمل،فالجنة عزٌ وسببها البِر،والنار ذُلٌ وسببها العصيان،جبريل يدعو على العاق ورسول الله يؤمّن على دعوته فهل من شقي أتعس ممن يدعو عليه سيد الملائكة وسيَّدُ البشر. ورُوي عن ثوبان رضي الله عنه.عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: { ثلاثة لا ينفع معهن عمل:الشركُ بالله وعقوق الوالدين،والفرار من الزحف} وكان صلى الله عليه وسلم.يقول{ملعون من عق والديه} وكان صلى الله عليه وسلم.يقول{كل الذنوب يؤُخرالله تعالى منها ماشاء إلى يوم القيامة إلاعقوق الوالدين فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات} وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.انه قال.{أحفظ ودّ أبيك ولا تقطعه فيطفئى الله نورك} قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه:لو علم الله تعالى شيئاً في العقوق،أدنى من كلمة (أفٍ) لحرَّمَهُ.فليعمل العاق ماشاء أن يعمل فلن يدخل الجنة،وليعمل البار ماشاء أن يعمل فلن يدخل النار.كان شابٌ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.يُسمى علقمة،مرض مرضاً شديداً ولما صار في ا لاحتضار جعل اخوانه ينطقون أمامه بكلمة الشهادة فلم يستطع النطق بها،فراجعوا.رسول الله صلى الله عليه وسلم.فسأل هل بقي أحد من والديه حي،قالوا،أمٌ له يا رسول الله فدعاها وسألها كيف رضاك عن علقمة:فقالت.أني عليه لساخطة فقال:لِمَ،قالت لأنه يؤثر زوجته عليّ، فقال عليه الصلاة وسلام لأصحابه إجمعوا لي حطباً فقالت:لأي شي قال :حتى أحرق علقمة،فقالت:ولدي يا رسول الله أتحرقه وانا أنظر إليه قال :إذا ساءك ذلك فارضي عنه،فقالت:اشهدك يارسول الله واشهد من حضر أني عليه راضية فقال:اذهبوا واسمعوا لعلقمه فذهبوا فسمعوه ينطق بها.ثم مات علقمة من يومه فحضره النبي صلى الله عليه وسلم وحضر دفنه ثم قام على شفير قبره وقال يامعشر المهاجرين والانصار، من فضّل زوجته على أمهِ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين،لايقبل الله منه صرفاً ولاعدلاً إلا أن يتوب إلى الله عز وجل ويحسِن اليها ويطلب رضاها،فرضا الله عز وجل في رضاها وسخطُهُ في سخطها.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.{فلو علم الله عز وجل في الكلام شيئاً أقلَّ من أفٍ ما قال الله عز وجل}.{إما يبلغن عندك الكبرَ أحدُهُما أوكلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولاتنهرهما وقل لهما قولاً كريما}فقد بالغ الله سبحانه وتعالى في الوصية بالوالدين.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.{عاق والديه لو صام وصلى حتى بقى مثل الوتر ومات والداه غضبانان عليه لقى الله عز وجل وهو غضبان عليه}وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ليس بين عاق والديه وبين إبليس في النار إلادرجة واحدة}وقال صلى الله عليه وسلم {ليلة أسري بي إلى السماء رأيت أقواماً معلقين في جزوع من نار فقلت لأمين الوحي ياأخي ياجيريل من هؤلاء قال:العاقون لوالديهم} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.{من سب والديه نزل على رأسه في جهنم بعدد كل قطرة نزلت من السماء الى الارض}وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم{لايتعبني شيئ مثلُ ما أتعب مع العاقين لآبائهم وأمهاتهم أكون في الجنة فأسمع صراخهم من الضرب والعقوبة وأسمع بكاءهم فيوجعني قلبي الرقيق عليهم فأسجد تحت العرش أشفع فيهم.فيقول الله عز وجل يامحمد ارفع رأسك فإن العاقين لوالديهم لا أخرجهم من النار حتى يرضى عليهم آباؤهم وأمهاتهم،فأرجع إلى مكاني وأشتغل عنهم ثم أعود فأسمع صراخهم وبكاءهم فأمضي وأسجد ثاني مرة تحت العرش.فيقول الله عز وجل يامحمد ارفع رأسك فمهما طلبت أعطيتك إلا العاقين،فإنهم لايخرجون من النار حتى يرضى آباؤهم،فأمضي الى مكاني وأنساهم ثم أعود أسمع نحيبهم وبكاءهم فأقول:اللهم مر مالكاً أن يفتح باب طبقتهم حتى أنظر إلى عذابهم فإني اسمع صراخهم عظيماً،فيقول الله عز وجل إني قد أمرته بذلك. فعند ذلك أمضي إلى مالك فيفتح لي فأنظر رجالاً معلقين في جذوع من النار،والزبانية تضربهم بسياط من نار على ظهورهم وأفخاذهم والحيات والعقارب تسعى تحت أرجلهم ،فتلدغهم،فأبكي رحمة لهم فأرجع فأسجد ثلاث مرات تحت العرش فيقول الله عز وجل،ليس لهم خروج إلابرضا والديهم،فأقول يارب وأين والديهم،فيقول الله عز وجل.في منازلهم في الجنة ومنهم جماعة على الاعراف ومنهم جماعة في جنة المأوى ومنهم جماعة في غيرها فأقول.إلهي وسيدي عرفني بكل من له والد في الجنة فعرفني الله سبحانه وتعالى بهم.فأذهب إليهم وأقول لورأيتم أولادكم وقد وكلت بهم زبانية تعاقبهم قد أحزن قلبي بكاؤهم وصراخهم فيذكر آباؤهم ما جرى من الأولاد في دار الدنيا،فتقول واحدة من الأمهات،دعه يعذب يارسول الله لأنه كان أهانني وشتمني وكسر قلبي وقد كان قادراً على المال والدنيا وانا أبيت جوعانه،ويكسو زوجته المليح الغالي وأناعريانه،ثم يقول الآخر،دعه يعذب،فقد كان يضربني إذا كلمته في مصلحة حاله ويطردني عن بيته وقد كان يفعل وكان يصنع، فيبقى في قلوبهم الحقد مما مضى.فأقول لهم إن الدنيا قد مضت،وقد مضى ما مضى فاسمحوا لهم واصفحوا عنهم كرامة لمجيئي إليكم،فيقول الله عز وجل ياحبيبي يامحمد لاتشق عليهم فوعزتي وجلالي لا أخرج أولادهم من النار إلا برضا قلوبهم فيقول:يارب مرهم أن يمشوا معي إلى جهنم لينظروا عذابهم،عسى أن يرحموهم،فيأمر الله عز وجل بمشيهم معي،فيأتون إلى جهنم فيفتح مالك عليهم أبواب جهنم فإذا نظروا إلى أولادهم وعذابهم يبكون ويقولون تالله ماعلمنا أنهم في العذاب الشديد،فتصيح كل واحدة من الأمهات لبنتها أو لابنها،وإن كان و الداً فيصيح لولده،فإذا سمع الأولادُ أصوات آبائهم وأمهاتهم يبكون، ويقول كل واحد لأمه ياأماه النار أحرقت كبدي والعقوبة أهلكتني،ياأماه ماكان يهون عليك أن أقف في الشمس وحرها ساعة واحدة ولاتشكني شوكة،ياأماه كيف سمعتي بعذابي وصبرت عني أما ترحمين جلدي وعظمي ،فعند ذلك تبكي الآباء والأمهات فيقولون ياحبيبنا يامحمد اشفع فيهم،فيقول الله عز وجل إني. لا أخرجهم إلا بشفاعتكم لأني قد غضبت عليهم لأجلكم.فيقولون:إلهنا وسيدنا تفضل علينا بإخراج أولادنا من النار فيقول الله عز وجل.للوالدة والوالد،رضيتما عن أولادكم؟فيقولان نعم فيقول الله عز وجل.كل من رسم له والده بخروجه فأخرجه وكل من لا يطلبه فدعه يعذب حتى أقضي ماشاء .فأخرجهم وقد صاروا فحماً،فيجري عليهم الماء من نهر الحيوان فينبت عليهم اللحم والجلد والشعر ويدخلون الجنة}
أيها الإخوة الأحباب:
إذا رغبتم بخير الدنيا ونعيم الآخرة فالزموا هذه الوصايا فإن مَنْ تبعها فاز. ومَنْ أهملها خاب.
- أطع أمك وأباك في كل ما يأمرانك به في غير معصية الله.
- خاطبهما بلطف وأدب.
- انهض لهما إذا دخلا عليك.
- أكثر من الدعاء والاستغفار لهما،سواء كانا حيين أو ميتين.
- لاترفع صوتك عالياً أمامها إذا خاطباك.
- لاتجادلهما في أمر.وإذا كنت على يقين من رأيك فحاول أن تقنعهما بالحسنى.
- لاتفضل زوجتك وولدك عليهما واطلب رضاهما قبل كل شيئ.
- لاتلمهما إذا عملا عملاً لايعجبك.
-لا تضطجع وهما جالسان.
-لبِّ نداءهما مسرعاً إذا نادياك.
-لا تصاحب غير رجل بار بوالديه.
فإنا نتوسل إلى العلي القدير أن يُرضي عنا والدينا، وأن يسامحنا على تقصيرنا اتجاههم، ويلهمنا أن نعاملهم كما يحب ويرضى، ويختم لنا بالحسنى.