خطبة: فضائل أمة النبي                                              

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيتْ أمتي خمساً لم يعطهنَّ نبي قبلي . .

أما واحد : فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان . ينظر الله عز وجل إليهم ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبداً . . . . .

وأما الثانية : فان خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك . .

وأما الثالثة : فان الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة . . . .

وأما الرابعة : فان الله عز وجل يأمر جنته . فيقول لها : استعدي وتزيني لعبادي أوشكوا أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى دار كرامتي . . . . . .

وأما الخامسة : فانه إذا كان آخر ليلة غفر الله لهم جميعاً . فقال رجلٌ من القوم أهي ليلة القدر. فقال:لا, ألم تر إلى العمال يعملون, فإذا فرغوا من أعمالهم وُفَّوْا أجورَهم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله فرض صيام رمضان وسننتُ لكم قيامه . فمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.

أيها المؤمنون الأفاضل :   

إن الصوم فريضة فرضها الله سبحانه على الأمم  جميعها . وأوجبها الله على أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: يا أيها الذين آمنواكتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون.                                    

فالله سبحانه وتعالى ينادي المؤمنين بهذا النداء . تكريماً لهم وهذا إن دالَّ على شيء فإنما يدل على وجه من وجوه خلال فريضة ناداهم إليها . ودلهم عليها بهذا النداء وهذا نداء يرتبط في الأذهان . ويدل على أن الصيام فريضة على سائر الأمم وهذا تشريفِ من رب العالمين  لأمة محمد عليه الصلاة والسلام . فما ينبغي أن تذهب أمة من الأمم بشرفٍ تقاسم فيه أمةَ محمد صلى الله عليه وسلم  .

ولكن أي صومُ هذا ؟ أهو صومُ عامة الناس الذي هو ترك الطعام والشراب عن سائر المفطرات . من طلوع الفجر إلى غروب الشمس . فان بعض الناس لا يعرف من شهر رمضان  إلا أنه وقت للتفنن في المأكولات والمشروبات . فيشغلون ليله بالأكل والشرب والسهر على القيل والقال . والمزاح والضحك . ويضيعون نهاره بالنوم والكسل .فلم يزدهم رمضان إلارغبةً في الأكل وحرصاً على النوم. وصنف آخر من الناس يشتغلون في رمضان بالبيع والشراء وطلب الدنيا . إنا لا نطلب من هؤلاء أن يغلقوا محلا تهم ودكاكينهم . ويعطلوا الأسباب ولكن نريد منهم أن لا يصرفوا كل الوقت لطلب الدنيا . وإنما يأخذون من ذلك بقدر ما لايطغى على الآخرة . ويُفّوِتُ مواسم العبادة . فقد كان السلف يتفرغون في رمضان ويقبلون على الصلاة والتلاوة والذكر والتراويح . استقبلوا شهركم . بارك الله لكم فيه بالتوبة والفرح بإدراكه . واجتهدوا في استغلال أوقاته الشريفة بما ينفعكم .

اجعلوه منطلقاً لكم من أسْرِ الشهوات والغفلة إلى نور الطاعة والتقوى.لعله يكونُ مُنَّبِهاً لكم على تفريطكم فيما مضى . لتستدركوا ما تبقى من أعماركم .فإنه ليس لكم من أعماركم إلا ما عمرتموه بالطاعة . وما ضيعتموه فإنه يكون حسرةً عليكم هذا شهر البركات.هذا شهر الخيرات.هذا شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران, هذا شهر فيه ليلة خير من ألف شهر . من قامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه . ومن قيام  الليل في هذا الشهر الفاضل صلاة التراويح . فلازموا عليه, ولا تفرطوا فيها, فان ثوابها عظيم . والتراويح سنة مؤكدة . احرصوا عليها . ولا تتكاسلوا عنها . فانكم بأشد الحاجة إليها . لعل الله أن يكتبكم مع الصائمين القائمين . نحن نعيش اليوم حول نفحات الله في شهر رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا شيء أحب إلى الله سبحانه من الدعاء . حتى تصفوا الأرواح له وتخشع القلوب فيه.وتنطق الألسنة ضارعة إلى الله جلا وعلا . والله سبحانه وتعالى . يحب من عباده أن يطلبوا حوائجهم منه وليس من غيره . والله يعطي بغير حساب .

رأى رسول الله صلىالله عليه وسلم .أعرابياً يطوف حول الكعبة ويقول: يا كريم فقال النبي صلىالله عليه وسلم ياكريم فاتجه إليه الأعرابي وقال:أتهزأ بي لكوني أعرابي والله لولا صبيحةُ وجهك ورشاقة قدرك . لشكوتك إلى حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم . فقال له النبي . أتعرف نبيك يا أخا العرب . قال لا . قال فما إيمانك به قال: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت برسالته . ولم ألقه . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم . إعلم أني نبيُك في الدنيا . وشفيعك في الآخرة . فنهض الاعرابي  يقبل يده . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم . مه يا أعرابي :لا تفعل .فأنا لست بملك وإنما أنا عبد الله ورسولهُ . هذا ما كانت تفعله الأعاجم بملوكها . فنـزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال له : يا محمد قل للأعرابي . لا يَغُرَّ نَّهُ حلمنا ولا كرمنا . فقد نحاسبه على النقير والقطمير فقال الأعرابي . أو يحاسبني ربي .فقال النبي صلى الله عليه وسلم . يحاسبك إن شاء فقال يا رسول الله . فوالله لو حاسبني ربي لأحاسبنه . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم . وكيف ذلك . قال إن حاسبني على ذنبي حاسبته على مغفرته . وإن حاسبني على معصيتي . حاسبته على ستره وإن حاسبني على بخلي . حاسبته على كرمه  . 

فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم . حتى ابتلت لحيته . فنـزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال له : يا محمد أقلل من بكائك . فقد ألهيت حملة العرش عن تسبيحهم . وقل للأعرابي . لا يحاسبنا ولا نحاسبه .

فاتقوا الله عباد الله . وطهروا قلوبكم من الغل والحسد . وافعلوا الخير وحافظوا على طاعة ربكم . وعلى أداء الصلاة وخاصة مع الجماعة وصونوا ألسنتكم عن الغيبة والنميمة لعلكم تلقوا ربكم وهو راض عنكم . 

خطبة الجمعة في جامع الدلامية                                    

 للشيخ حسين صعبية

 بتاريخ 2/1/1998 م                      الموافق 4/ رمضان 1418 هجري